آخر شهر

{"widgetType": "random posts","widgetCount": 8}

الأحد، 8 فبراير 2015

الحكم العطائية

( لولا ميادين النفوس ما تحقق سير السائرين )

الميادين جمع ميدان , بكسر الميم وبفتحها وبه صدّر في
القاموس وهو مجال الخليل , ثم استعير هنا لمحاربة النفوس
ومجاهدتها , فهي تارة تكر عليه فتظفر به , وتارة يكر عليها
فيظفر بها , وفي هذا المعنى قال شيخ شوخنا المجذوب
رضي الله عنه :

سايس من النفس جهدك ... وصبح ومس عليها
لعلها تدخل بيدك ... فتعود تصطــــــاد بها

قال بعض العارفين : انتهى سير الطالبين إلى الظفر بنفوسهم
فإن ظفروا بها وصلوا , وما ذكرته من السياسة للنفس
والاحتيال عليها هو الصواب , قال في المباحث :

واحتل على النفس قرب حيلة ... انفع في النصر من قبيله

وأما إن حملها من أول مرة ما لا تطيقه فإنها تسقط وتمل 
وربما ترجع بالكلية , قال صلى الله عليه وسلم :
" اكفلوا من العمل ما تطيقونه , فإن الله لا يمل حتى تملوا "
" لا يكن أحدكم كالمنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقي "
والمنبت : هو المنقطع .

وحاصل ما ذكره الشيخ في هذه الحكمة أن الناس
على قسمين : قسم لا سير لهم , إذ لا توجه لهم إلي الله 
فهم واقفون مع ظاهر الشريعة كل ما أباحته الشريعة
أخذوه ثقيلاً كان على النفس أو خفيفاً , بل لا يأخذون
إلا الخفيف لأنهم يقصدون رخص الشريعة وتسهيلها مما
يوافق هواهم , فلم يغيروا من عوائدهم وشهواتهم شيئاً
فعزهم وافر , وجاههم باق , ودنياهم في الزيادة 
وهؤلاء عوام المسلمين .

وقسم شاقت نفوسهم إلى حضرة الملك وغلبهم الشوق
فتوجهوا إلى حضرته , واشتغلوا بمجاهدة نفوسهم
ومحاسبتها , فكل ما يثقل عليها أدخلوها فيه وهي تموت
وكل ما يخف عليها جنبوها منه وهي تبكي , هكذا يدومون
عليها حتى ترتاض وتلين , وحينئذ تطاوعهم فيما يريدون.
فكل من ملك نفسه فقد ملك الوجود بأسره , فلولا 
مجاهدة النفوس ومحاربتها في هذه الميادين ما تحقق
سير السائرين , إذ لا يتحقق السائر من القاعد إلا 
بمخالفة الهوي وخرق العوائد , فمن خرق عوائد نفسه 
حتى استوى عنده العز والذل والفقر والغنى , وغير ذلك
من مكروهات النفوس , فقد تحقق سيره ووصوله 
ومن لم يقدر على تغيير شعرة من نفسه فلا سير له 
ولا وصول 
قال أبو عثمان الحيري : لا يكمل الرجل حتى يستوي قلبه
في أربعة أشياء في المنع والعطاء والعز والذل , يعني أنه
يكون عنده الذل كالعز , والمنع كالعطاء , لا ينقص منها

0 التعليقات:

إرسال تعليق